
في محاضرة مثيرة للجدل, ألقاها البروفيسور الفرنسي اوليفيني روا (كبير الباحثين في المركز الوطني الفرنسي للبحوث في باريس ومستشار وزارة الخارجية الفرنسية)، في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض, مساء أول أمس الثلاثاء، حفلت بالكثير من المغالطات من (روا) حول أطماع أمريكا في العراق ومخططات إيران في المنطقة، ودور الشيعة في المجتمعات الخليجية، والنظرة السلبية غير الموضوعية، للمقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية، ضد الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان, والصهيوني في فلسطين، وهو الأمر الذي دفع الحاضرون للرد عليه، وكان الدكتور عبد الله العثيمين (الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية) أول المعقبين عليه، وصحح الكثير له الكثير من المغالطات التي وقع فيها (اوليفيني)، خاصة حول العراق ودور أهل السنة التاريخي، والموقف الصامد للمقاومة في لبنان، ودور المقاومة في فلسطين، وهو الأمر الذي جعل الحضور – وكان أغلبهم من الدبلوماسيين – يصفقون للدكتور العثيمين، كذلك فند معظم المعقبين على (روا) أطروحاته، وبينوا الأطماع الإيرانية، ومحاولاتهم تصدير الثورة للدول الخليجية، وهو الأمر الذي حاول أن ينكره طوال محاضرته وحتى في ردوده على من عقبوا عليه.
وكانت أول مفاجأة للحضور في محاضرة (اوليفيني روا) أنه لم يلتزم بعنوان المحاضرة المعلن عنه، والذي قدمه بها المشرف على الندوة للجمهور، والموضوع من قبل المركز على واجهة القاعة وفي لوحة كبيرة خلف المنصة.
فقد كان العنوان (التحديات التي تواجه المملكة العربية السعودية في ضوء التدخل الأمريكي في العراق)، وهو موضوع حيوي ومهم، دفع اغلب الحضور للمجيء واكتظت بهم القاعة,, ولكن (روا) صاحب العديد من الكتب والمؤلفات التي تتناول الحركات الإسلامية – من منظور استشراقي غربي غير محايد- لم يلتزم بالعنوان، ولم يتحدث في الموضوع الذي دعي إليه، بل لم يتناوله على الإطلاق، وهو الأمر الذي جعل معظم تعقيبات الحضور تنصب عليه.
وبدلا من الموضوع الأصلي، تحدث (اوليفيني روا) عن الشيعة وتاريخ التشيع، والتحول الذي شهدته إيران في عهد الدولة الصفوية، بعد أن كانت دولة سنية، فانقلبت للتشيع, ثم تطرق إلى طبقة من أسماهم بـ(رجال الدين الشيعة)، وجذورهم عربية، ولم تكن الفارسية تسيطر عليهم، واستطرد (روا) في الحديث عن التكوين العرقي والقومي لرجال الدين الشيعة، وجذورهم سواء في النجف وانتقالهم إلى أصفهان ثم إلى مدينة قم.
المفاجأة الثانية ل(روا) كانت في الثناء والمديح، للشيعة والأحزاب الشيعية في العراق، ونفى تماما أنهم يريدون تحويل العراق إلى دولة شيعية، ولم يتطرق إلى الجرائم التي ترتكبها الميلشيات الشيعية المسلحة، سواء التي تحظى بالحماية الرسمية في بغداد أو التي تعمل وفق نفس الأجندة، وعمليات القتل والتهجير لأهل السنة، واستهداف مقدساتهم.
المفاجأة الثالثة لـ(اوليفيني روا), كانت في استبعاده للدور الإيراني للميلشيات, والجماعات الشيعية في العراق، وزعم أن هذه الجماعات والأحزاب تتجه للعروبية ميولا، وأهدافا أكثر من اتجاهها نحو إيران الفارسية الشيعية.
المفاجأة الثالثة: أن المستشرق الفرنسي صب غضبه، وأظهر تحيزه بفجاجة، عندما تجاهل تماما الحديث عن دور المقاومة العراقية، وحقها المشروع في التحرر من المحتل، وتجاهله دور أهل السنة في المقاومة.
ولم يستطع (روا) أن ينكر الدور الإيراني في محاولاته المستمرة وبقوة في اختراق المجتمعات الخليجية، و استقطاب شيعة دول الخليج نحو طهران، وكسب ولاءهم لقم ، وللسياسة الإيرانية وقال: لقد حاول الإيرانيون تحريك الشيعية في المجتمعات الخليجية، خاصة في البحرين والكويت والسعودية ، بل وحتى في استقطاب بعض الزيدية وتحويلهم إلى اثني عشرية جعفرية في اليمن، نحو إيران ودعمهم ومساندتهم، وأضاف: إن جزءا من الشيعة الخليجيين قبلوا القيادة الإيرانية والولاء لها، على حساب بلدانهم.
واتهم (اوليفيني) الأمريكيين في احتلالهم العراق بالجهل، وقال: إنهم جهلة وليسوا ميكيافليين, ولم يحسنوا التصرف ولا التعامل, وأن النتائج معقدة تماما وهم لا يعرفون كيف يتصرفون, وأن احتلالهم للعراق وأفغانستان كان لمصلحة إيران، فقد خلص الإيرانيون من حركة طالبان المعادية لهم، ومن حزب البعث في العراق الذي حاربهم ثماني سنوات.
وتوقع أن يسقط المحافظون في إيران، وقال: لو أجريت انتخابات رئاسية في إيران فان الرئيس احمدي نجاد سيسقط، لأنه فشل في التعامل مع قضايا الداخل، وترك المشكلات تستفحل، واتجه نحو الخطاب المثير نحو الخارج، وتعرض لدور السيستاني في العراق وقال (روا): انه دوره مؤثر جدا، وهو يرفض إيران، والانضمام إليها، ولكن اعترف (روا) بمخططات تقسيم العراق إلى دويلات: شيعية وسنية وكردية, وقال: القضية في دمج الشيعة العرب في إطار قومي، خاصة انه لا يوجد مشروع سياسي شيعي – على حد قوله- ولكن يوجد استئثار شيعي للسلطة في العراق.
ولم يخف (اوليفيني) عداؤه الواضح والصريح لجميع الحركات والجماعات الإسلامية، وأعلن بكل صراحة: أتمسك بموقفي المضاد لما أسماه بـ(الإسلام السياسي) .
المفاجأة الرابعة: كانت تنظيمية من قبل اللجنة المنظمة للندوة، التي سمحت باختلاط الرجال بالنساء داخل قاعة المحاضرات التابعة للمركز، بالرغم من وجود مكان مخصص ومجهز في القاعة للنساء، والأكثر من ذلك أن النساء جلسن في نفس الصفوف الخاصة بالرجال، وإن كن أغلبيتهن من الأجنبيات.