
أكد وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ على أهمية أن يحرص الداعية على الاتباع والبعد عن الابتداع، معتبرا ذلك من أبرز سمات المنهج الدعوي المؤصّل على الكتاب والسنة. كما طالب الوزير الدعاة بالاعتناء بالتربية بالعلم.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها فضيلته، بحضور سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، بجامع الإمام تركي بن عبد الله، بعنوان: "تأصيل المنهج الدعوي في ضوء الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح".
وقال فضيلته إن سمة هذه الأمة اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة، مستشهدا بقول الله تعالى: "قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"، وقوله: "ولذلك فادعوا واستقم كما أمرت". وأكد على أن الدعوة إلى الله عبادة عظيمة من العبادات التي يتقرب بها إلى الله -عز وجل-، وهي عبادة متعدية النفع، يتعدى نفعها إلى الناس في بلد الداعية وخارجها إلى قيام الساعة.
وأشار الشيخ إلى أن الدعاة على نوعين؛ من يدعوا وفق السنة مع الأخذ بما جد في العصر من اجتهادات لا تُخرج عن إطار التزام السنة والجماعة وطرائق السلف الصالح؛ ومن يدعو وفق الأهواء والاجتهادات دون رجوع من العلم إلى ركن وثيق. واعتبر أنه بتعدد الأهواء والمشارب صارت الدعوة مناهج شتى وطرائق مختلفة بدل أن تكون منهاجاً واحداً، وكلٌ يدّعي صوابه فيما يأتي وفيما يذر، مشدداً على أن العناية بالتأصيل فيه عصمة للعقل والقلب من الوقوع في الغلط.
وأكد أن المنهج الدعوي هو الطريق الواضح الذي لا التباس فيه، والدعوة بلا شك أسلوب يحتاج إلى طريق، ولهذا فإن آيات كثيرة وردت في القرأن لتبين هذا المنهاج، لأن الشرائع والمناهج مختلفة لكن العقيدة والدعوة لا تكون دعوة على منهاج صالح إلا إذا ارتفعت عن الأغراض الدنيوية، وصارت لله - جل وعلا -، ولهذا أجر الداعية ليس على البشر وإنما على الله.
وأضاف فضيلته أن الدعوة إلى الله هي أفضل العبادات كما قال أهل العلم، لأنها مشتملة على أنواع الأفضلية كما أنها نوع من الجهاد في سبيل الله. والدعوة تشمل كل وسيلة من وسائل إبلاغ الدين الحق إلى الناس سواءً كان ذلك بالتعليم أو بالتأليف أو بالتدريس أو الذهاب إلى القرى والبوادي أو بإلقاء المحاضرات أو بالمشاركة في وسائل الإعلام، مشيرا إلى أن كل وسيلة فيها إبلاغ للدين الحق للناس فهي دعوة إلى الله.
وأكد على أهمية أن يحرص المسلم الداعية أن يكون في دعوته على وفق كتاب الله والسنة وفهم السلف الصالحوهو الذين شهد لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصلاح، قائلا: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، وذكر قرنين أو ذكر ثلاثة قرون.
كما تناول الشيخ صالح آل الشيخ سمات وصفات منهج الدعوة إلى الله وفق الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، وقال : إن أول هذه السمات :الإخلاص لله بالدعوة. وحذر الدعاة إلى الله من أخذ الأجر على دعوتهم قائلا: "ليحذر أن يقول بثمن، وأن يتكلم بثمن، وأن يشارك بثمن، وإذا غلب على نفسه شيء من ذلك، أو من الحاجة فليراجع نفسه أن يكون مصيباً في قوله" وأكد أن الدعوة تختلف عن القرآن وتعليم القرآن حيث أن لها حكم في ذلك غير تعليم القرآن، ولذلك أجاز العلماء أن يأخذ الداعية رزقاً لا أجراً، أي يأخذ مكافأة من بيت المال يقرها ولي الأمر مكافأة غير مشروطة على قيامه بهذا الواجب الكفائي.
أما السمة الثانية طبقا لما قاله الشيخ فهي أن تكون الأولويات واضحةً عند الداعية كما هي ظاهرة في الكتاب والسنة. واستشهد بما جاء في حديث معاذ -رضي الله عنه- حينما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، قائلا إن هذا الحديث ظاهر الدلالة في أن الدعوة تكون إلى توحيد الله تعالى أولاً، والتوحيد يكون الدعوة إليه إجمالاً وتفصيلاُ، و يدخل في ذلك تعليم العقيدة الصحيحة ونشر مؤلفاتها وأشرطتها وبيان ذلك للناس في كل مكان عن طريق الوسائل الحديثة الانترنت، ووسائل الإعلام، والقنوات.
ومن بين سمات الدعوة أيضا الحرص على الإتباع وعدم الابتداع، مشيرا إلى أن بعض الدعاة أو بعض من يهتم بالدعوة أصبح يتابع الأخبار السياسية أكثر من مراجعته لكلام أهل العلم، وللقرآن ولكتب التفسير، وصحيح البخاري ومسلم وكتب السنة وكلام المجتهدين من أهل العلم. واعتبر أن في هذا ضرر بالغ على الداعية في نفسه وعلى المدعوين، لذلك كان من المهم أن يكون في الدعوة عناية بالعلم النافع. كما أكد على الاهتمام والعناية باللغة العربية.
كما قال فضيلته أن من سمات السلف الصالح في الدعوة الانضباط العلمي الذي يشمل ثلاثة عناصر الأول العلم وهذا مهم وهو الأصل، و الثاني الخلق، والثالث المهارة. ولا بد أن يكون هناك عناية بانضباط علمي ودعوي مبني على هذه العناصر الثلاثة.
ومن سمات السلف الصالح في دعوتهم أنهم دعاة إلى الجماعة ودعاة إلى نبذ الفرقة فكل وسيلة من وسائل اجتماع الناس، لأن الاجتماع هو اجتماع في الدين.
ومن سمة السلف الصالح اعتنائهم بالوسطية والاعتدال، بأن يأخذوا في الأمور بالوسط بين طرفين؛ فليس السلف الصالح مع أهل الغلو في غلوهم وليسوا مع أهل الجفاء بجفائهم، لا في الدعوة ولا في العمل ولا العلم.
وأضاف أن من سمات المنهج السلفي في الدعوة اعتماده على النصوص الشرعية وعلى القواعد المأخوذة من النصوص من كلام أهل العلم، لأنه لابد من ضبط للدعوة وإلا تعددت الاجتهادات فإذا كان هناك رجوع إلى الدليل وإلى القواعد فإن الدعوة. وذكر بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها لعبيد بن عمير، حين قالت: يا عبيد إذا وعظت فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا وإياك وإملال الناس وتقنيطهم.
وحث الشيخ الدعاة والخطباء على الحرص على ما يبعث الفأل في الناس ويقلل من اليأس ومن الترهيب الذي يخيف، مشيرا إلى أن القرآن ورد فيه وصف الجنة أكثر من وصف النار، والترغيب أكثر من الترهيب.
وشدد على أن السائرين على منهاج السلف الصالح يتسمون بسلامة ألسنتهم وصدورهم من الوقيعة في أهل العلم أو أهل الدين، وهذا من المهمات لنجاح الداعية في دعوته، لذلك سلامة اللسان وسلامة الصدر من سمات الداعية على ذلك المنهج.