
تباينت ردود الأفعال الدولية حول مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير، ففيما أيدت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا القرار، حذرت روسيا والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية من تداعياته على عملية السلام في دارفور. وفيما رفضت قوى شعبية سودانية قرار الاعتقال، أيدته حركات التمرد في الإقليم المضطرب.
ودعت الولايات المتحدة الحكومة السودانية وجميع الأطراف إلى ضبط النفس عقب إصدار المحكمة الجنائية الدولية اليوم لقرارها اليوم الأربعاء. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت وود أثناء زيارة يرافق فيها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لرام الله بفلسطين: "تعتقد الولايات المتحدة أن من ارتكبوا أعمالا وحشية يجب أن يمثلوا أمام العدالة". وتابع: "ندعو كل الأطراف بما فيها الحكومة السودانية إلى ضبط النفس". وأضاف "يجب تجنب أعمال عنف إضافية تطال المدنيين والمصالح الأجنبية، ولن يسمح بذلك".
ومن جانبها اعتبرت بريطانيا أن القرار صادر عن "هيئة قضائية مستقلة". وقال وزير الخارجية البريطاني ديفد ميليباند في بيان أصدره اليوم إن بلاده كانت "وعلى نحو راسخ داعماً قوياً للمحكمة الجنائية الدولية"، التي اعتبرها "ملتزمة بمحاربة الحصانة"، مشيرا إلى أن قيامها بالتحقيق في قضايا دارفور جاء بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1593.
ولم يخف ميليباند قلقه على المصالح الأجنبية في البلاد، حيث دعا جميع الأطراف إلى تجنب التصعيد والمحافظة على النظام وحماية السفارات وعمال الإغاثة والموظفين الدوليين".
ولم يختلف الموقف الفرنسي ذو المصالح الاستعمارية في السودان والمستعمر السابق له، حيث أيدت فرنسا قرار المحكمة الدولية، ودعت الخرطوم إلى "التعاون" مع المحكمة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية أريك شوفالييه إن بلاده "تدعو بإلحاح السودان إلى التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية من أجل تنفيذ القرارات التي أصدرها القضاة، طبقا لموجبات قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1593".
واعتبر شوفالييه عدم تقديم البشير للمحاكمة مرتبط بمسار "علمية السلام" في دارفور. ورأى أن "محاربة الإفلات من العقاب أمر لا يمكن فصله عن السعي إلى إحلال السلام في دارفور كما في سائر أنحاء العالم"، على حد تعبيره.
وعلى الجانب الآخر، وصفت روسيا قرار المحكمة الجنائية الدولية بأنه سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، واعتبر ميخائيل مارغيلوف الموفد الروسي لشؤون السودان، أن قرار اعتقال البشير قد ينعكس سلبيا على الوضع داخل السودان، وعلى الوضع الإقليمي بشكل عام، بحسب وكالة أنباء ريا نوفوستي الروسية.
وكان مصدر في وزارة الخارجية الروسية أعرب في وقت سابق عن قلق موسكو من احتمال توتر الوضع في السودان بعد صدور قرار إلقاء القبض على البشير.
وعلى الصعيد الأفريقي أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ أن مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق البشير "تهدد السلام في السودان. وقال بينغ في أديس أبابا: "لقد علمت للتو بقرار المحكمة الجنائية ويهمني أن أوضح أولا أن موقف الاتحاد الأفريقي هو أننا مع مكافحة الإفلات من العقاب، ومن غير الوارد لدينا ترك مرتكبي الجرائم من دون عقاب"، واستطرد بالقول "لكننا نقول إن السلام والعدالة يجب ألا يتعارضا، وإن مقتضيات العدالة لا يمكن أن تتجاهل مقتضيات السلام".
وأبدى بينغ أسفه لكون المحكمة الجنائية لا تهتم سوى بإفريقيا "وكأن لا شيء يحصل في مكان آخر في العالم".
كما أعربت الجامعة العربية عن أسفها للقرار، وعبرت عن "انزعاجها الشديد" لصدود مذكرة التوقيف، وهو موقف القاهرة منه أيضا. وأكدت أن إجراءات تتخذ لدى مجلس الأمن الدولي من أجل "تعليق وإرجاء" الملاحقات وفق ما ينص عليها نظام المحكمة الجنائية.
أما في السودان، فحصل التباين في ردود الأفعال كما هو منتظر بين الشعب السوداني المناهض للتدخل الدولي لشؤونه، والمتمردين في إقليم دارفور الذين تسببوا في تلك الأزمة.
وتواصلت المظاهرات المؤيدة للبشير والرافضة لتدخل المحكمة الجنائية الدولية بإيعاز من الولايات المتحدة في شؤون البلاد. وشهدت العاصمة الخرطوم وعدة مدن أخرى مظاهرات منددة بمذكرة الاعتقال. وهتف المتظاهرون "بالدم بالروح نفديك يا بشير".
وتضامت الصحف الرئيسية في السودان مع الرئيس، رافضة محاكمته. وأعلن وزير الدولة السوداني للشؤون الخارجية علي أحمد كرتي أن السودان "يعلن رفضه التام لقرار المحكمة الجنائية الدولية لأن السودان ليس عضوا فيها وليست للمحكمة ولاية على السودان".
وفي المقابل، رأى زعيم حركة جيش تحرير السودان المتمردة في دارفور عبد الواحد محمد نور أن صدور مذكرة التوقيف "نصر كبير لضحايا السودان ودارفور". كما أعلنت حركة العدل والمساواة كبرى حركات التمرد في الإقليم والتي وقعت اتفاقا مع الخرطوم أخيرا، إنه لم يعد من الممكن التفاوض مع شخص "فقد شرعيته".