
واصل المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها، الذي ينظمه المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي أعماله، وشهدت جلسات أمس مناقشة محور "فتاوى الفضائيات الضوابط والآثار".
وقد ترأس الجلسة الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني مفتي الجمهورية اللبنانية وتحدث في الجلسة الدكتور عبدالرحمن بن عبد العزيز السديس والدكتور سعد بن عبد الله البريك والدكتور خالد بن على المشيقيح.
واستعرض الباحثون خلال الجلسة الجوانب المتعلقة بفتاوى الفضائيات في هذا العصر الذي اختلطت فيه الأمور وتعددت الثقافات، وقامت الفضائيات خلال ازدحام الآراء بشد الناس إلى ما تبثه ومن ذلك ما يتعلق بأمور الدين والفتوى، حيث تصدى للفتوى من بين من تصدى أناس غير مؤهلين للإفتاء، ما أوجد فتاوى غير صحيحة تم ترويجها بين الناس، أخطرها الفتاوى المخالفة لأصل من أصول الإسلام، أو نص من الكتاب والسنة، أو الإجماع المعتبر، وأدناها خطراً أن تشذ عن جمهور أهل العلم.
وقد أجمل الباحثون الآثار السلبية لظاهرة الإفتاء عبر الفضائيات، وأسباب صدور مثل هذه الفتاوى في العديد من النقاط التي شملت: إحداث بلبلة وحيرة بين المسلمين، فقد أصبح الخلاف مصدر تشوش بل تشكيك عند كثير من الناس لاسيما من العامة الذين لا يعرفون مصادر الخلاف، والتأثير على هيبة العلماء واحترامهم بين الناس، بل والتشكيك في قدراتهم، أو نزاهتهم، وذلك من خلال إيجاد مبررات لاتهامات عامة باطلة، وتحليل الحرام، وتحريم الحلال الذي هو من الكبائر بلا شك، وقد يصل إلى مرحلة الشرك إذا كان عن عمد، إضافة إلى لجوء العامة من الناس إلى تتبع الرخص، فصاروا يقصدون من عرف بالتساهل بحجة التيسير فيسألونه دون الحرص على الوصول إلى الحق في المسألة، واتهام كل من يفتي من العلماء بما يوافق الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، أو يكون رأيه هو أصح أقوال أهل العلم في المسألة، بالتشدد والتنطع، وكذلك ظهور بعض المفتين على غير سمت العلماء من الوقار، والحشمة، والسكينة.
وتوقف الباحثون عند أسباب صدور الفتاوى المسيئة إلى الشريعة ورصدوا أهمها الجهل بالضوابط والشروط الصعبة للفتوى وبالضوابط والمبادئ الحاكمة في علم أصول الفقه بشأن التفسير والتأويل واستشراء داء (حب الشهرة ) بين بعض المتصدين للإفتاء لغياب قوة الإيمان وقعود كثير من المتأهلين عن الإفتاء عبر الفضائيات مما أدى إلى انفصام الاتصال بين الناس والعلماء الكبار.
ورصد الباحثون خلال الجلسة إلى جانب الآثار السلبية آثاراً إيجابية لفتاوى العلماء الثقات عبر الفضائيات وهي شيوع العلم وإرشاد الناس إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وسد حاجة الناس إلى الإفتاء لسهولة اتصال المستفتي بالمفتي الذي يريد سؤاله وإقامة الحجة في كثير من المسائل التي يحتاجها الناس، من كثرة سؤالهم عنها وتوعية الأمة تجاه القضايا الكبيرة المهمة التي تخص عقيدة المسلمين مثل ما حدث في مسألة سب الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان ما يجب على المسلم لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره.
وخلص الباحثون قبل نهاية جلستهم إلى عدد من النتائج بينوا فيها أن الإفتاء بغير علم حرام بالكتاب والسنة وبالإجماع ، مبرزين عظم منصب الإفتاء ولذا يجب أن تتوافر في المفتي الشروط والآداب التي ذكرها العلماء فإذا أخل بها فلا يحل له أن يفتي ولا يحل لسائل علم بحاله أن يستفتيه.
وأكد المشاركون أن الواجب على ولي أمر المسلمين تقديم العلماء والمتخصصين في الفتوى والأحكام ومنع الجهلة بالأحكام الشرعية، وصغار طلبة العلم من الإفتاء، كما اقترحوا على رابطة العالم الإسلامي ومجمعها الفقهي اغتنام فرصة انعقاد المؤتمر وإصدار ميثاق ولوائح تنضبط بها الفتوى عبر القنوات الفضائية لمنع غير المتأهل من الإفتاء. كماأكد الباحثون خلال مناقشاتهم للمداخلات التي أدلى بها العلماء المشاركون في المؤتمر على عدد من الأمور ومنها أهمية القول بتجزؤ الاجتهاد والفتوى حتى يسهل إسناد الفتاوى للمتخصصين. وكذلك ضرورة تحرير معنى التسهيل والتيسير والتشديد في الفتوى حتى لا ترد الأدلة الصحيحة والأقوال المحققة بهذه الدعوى، وحثوا على بيان أهمية الفتاوى الصادرة عن المجامع.