
أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة البوسفور في مدينة إسطنبول التركية أن ذي التوجهات العلمانية الرافضين لمظاهر التدين بدأوا يشعرون حديثاً بأنهم أصبحوا قلة، خاصة بعد تولي حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية مقاليد الحكم ومحاولته إفساح الطريق أمام المتدينين للحصول على حقوقهم في ممارسة شعائرهم الدينية.
وقال تقرير أعدته جامعة البوسفور التركية المرموقة بالاشتراك مع معهد المجتمع المفتوح إن الهياكل الاجتماعية تغيرت منذ وصول حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية إلى السلطة في عام 2002، حيث تزايد الإقبال على التدين وتزايد في المقابل تهميش غير المتدينين، ما دفع العديد من العلمانيين إلى انتهاج أسلوب حياة يوحي بأنهم متدينون لتفادي ذلك التهميش.
وركز التقرير بشكل خاص على العزلة الاجتماعية التي بدأ أصحاب الأعمال التجارية يعانون منها؛ حيث شعروا بأنه يتعين عليهم اتخاذ أسلوب حياة ديني للحفاظ على استمرار نشاطهم ولتفادي تهميشهم في المجتمع التركي. ومن بين الأمثلة التي ساقها التقرير، قيام بعض الأشخاص غير المتدينين بأداء صلاة الجمعة أو إغلاق متاجرهم في أوقات الصلاة لإعطاء الانطباع بأنهم في المسجد، حتى يلاقوا إقبالا من جانب الزبائن الذين باتوا يدعمون التوجه الديني علنا، بعد تولي حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة.
وقال بعض العلمانيين إنهم يضطرون إلى صيام شهر رمضان أو على الأقل عدم المجاهرة بالفطر حتى ينجون من نظرات الاحتقار من المجتمع الذي باتت مظاهر التدين تملأ جوانبه.
ومن بين الأمثلة التي أوردها التقرير رفض بعض أصحاب العقارات تأجير منازلهم إلى طالبات لا يرتدين الحجاب، بالإضافة إلى الصعوبات التي باتت تواجه أصحاب الحانات للحصول على تراخيص لبيع الخمور في محالهم.
وقال التقرير: "في كل إقليم زرناه قيل لنا إن العلمانيين عزلوا نتيجة لتعيين حكومة حزب العدالة والتنمية أنصارها وتنامي القوة الاقتصادية للجمعيات الدينية".
ويشير التقرير إلى أن المجتمع التركي في صميمه كان دائما له توجه ديني، لكنه اتهم حكومة حزب العدالة والتنمية بعدم اتخاذ إجراءات كافية لزيادة التسامح في التعامل مع التوجهات غير الإسلامية في البلاد.
وعانى المسلمون المتدينون في تركيا سنوات من القهر إبان حكم العلمانيين للبلاد. فقد شددت الحكومة مدعومة بالجيش العلماني الخناق على كل المظاهر الإسلامية وأغلقت المدارس الإسلامية وكتاتيب تعليم القرآن ومنعت المحجبات من التواجد في المؤسسات الحكومية. كما منع رفع الأذان في العديد من المساجد. وإلى جانب ذلك عانى السياسيون الإسلاميون من الاضطهاد والاعتقالات والتعذيب في السجون؛ حتى إن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اعتقل في السابق بسبب إلقائه قصيدة تخالف توجهات الحكومة العلمانية السابقة.
وبعد فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مقاعد البرلمان وتشكيله الحكومة عام 2002، تعرض الحزب إلى محاولات متعددة لإغلاقه وإسقاط الحكومة التي يقودها. وكان آخر هذه المحاولات قيام علمانيين برفع دعوى قضائية ضده يتهموه فيها بممارسة أنشطة مناهضة للعلمانية. لكن الحزب نجا من الإغلاق بالرغم من إدانته وتقليص موارده المالية.
ويمول معهد المجتمع المفتوح الذي أعد التقرير المستثمر اليهودي البارز جورج سوروس، كما يترأسه أيضا.