أسطورة "إبطاء أوباما لبرنامج ايران النووي"
18 جمادى الأول 1436
علي باكير

دخلت كل من ايران والولايات المتّحدة خلال الأيام القليلة الماضية في دوامة التصريحات والتصريحات المضادة بشان ضرورة التوصل الى اتفاق نووي شامل قريبا.  وقال الرئيس الامريكي باراك أوباما "إن تمديد المهلة التي تنتهي في مارس للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران لن يكون مفيدا اذا لم توافق إيران على اطار عمل أساسي يضمن للقوى العالمية انها لا تنفذ برنامجا لانتاج الاسلحة النووية"، أمّا خامنئي فاعلن عن استعداده لقبول الاتفاق النووي، مشترطا ألا يكون الاتفاق سيئا" (بالمعيارالايراني)، قائلا: "الأمريكيون یكررون دائما أن عدم التوصل الى اتفاق أفضل من التوصل الى إتفاق سيئ، ونحن نتفق معهم علی هذه المقولة...عدم الاتفاق أفضل من الاتفاق الذی یتعارض مع مصالح الشعب الإیراني".

 

في 24 نوفمبر 2013، قامت الولايات المتّحدة وايران بالتوصّل الى اتفاق إطار مبدئي عرف باسم (JPOA) او اتفاق جنيف، على ان يتم البدء بتطبيقه في يناير 2014 للتوصل الى اتفاق شامل خلال ستة أشهر. ولكن سرعان ما انتهت الأشهر دون التوصل الى اتفاق شامل، فتم التمديد حتى نوفمبر 2014، ومرة ثانية حتى يوليو 2015. واعتمادا على المعلومات المتاحة الآن، فقد تبيّن انّ هذا الاتفاق المبدئي كان مفيدا جدا لايران وسيئا للغاية بالنسبة للعرب والمنطقة لناحية الامتيازات المجانية التي قدمها لنظام الملالي ولناحية انعكاساته الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط.

 

أهم ما في تصريحات المرشد الاعلى لايران هو انّه وضع أوباما في زاوية حرجة، فقد سبق لكيري وأن قال بضرورة عدم تمديد مهلة الاتفاق ولكنّها كانت دائما تمدد بسبب المراوغة الايرانية. ولطالما واجه أوباما من يتّهمه بالتهاون والتقاعس بالمراهنة على اعطاء ايران اتفاقا لا تستطيع رفضه، لكنّ ما جرى هو انّ ايران اخذت بالفعل الاتفاق الذي لا يمكن رفضه واستغلته واستخدمته، وتطالب الآن بما يشبه الاستسلام الأمريكي التام والا فانها مستعدّة لمغادرة طاولة المفاوضات وعدم توقيع اي اتفاق شامل.

 

بمعنى آخر، فان الخامنئي يقول لأوباما "اذا كنتم تهددوننا بأخذ اي اتفاق فاننا مستعدون لمواجهة عقوبة تركه"، وعندما يتحدث خامنئي بهذا المعنى فهو يعلم علم اليقين أنّه وبفضل اوباما وبفضل اتفاق جنيف (JPOA)، فان وضع ايران الآن أفضل بكثير من وضعها عندما دخلت المفاوضات.

 

 

إبطاء او تسريع برنامج ايران النووي!

فالاتفاق الأولي (JPOA)، وعلى عكس ما يروّج له أوباما وادارته دوما، لم يمنع نظام الملالي من مواصلة التقدم في برنامجه النووي، ليصبح بذلك اقرب من أي وقت مضى الى امتلاك قنبلة نووية اذا اراد المضي في هذا المسار حتى النهاية. وقد تمخّضت عن اتفاق الاطار المبدئي الذي توصل اليه اوباما وفريقه المفاوض كارثة تجعلنا نقول انّ السيء قد حصل بالفعل، ومن أهم معالمه الواضحة حتى الآن بعد أكثر من سنة على وضعه وتنفيذه:

1)      عدم ايقاف تخصيب اليورانيوم:

•        الاتفاق نص على ان لا تزيد ايران من مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب بنسبة 3.5% وان تحوّل اي كميات جديدة منتجة منه الى اوكسايد. عمليا سمح هذا النص لايران ان تنتج ما تريد من اليورانيوم المنخفض التخصيب بنسبة 3.5% باستخدام آلاف أجهزة الطرد المركزي الموجودة عند توقيع الاتفاق وذلك دون اي قيود على الكمية ولمدة تزيد على السنّة حتى الآن. صحيح انها ستحول الكمية الزائدة الى اوكسايد ولكنّها عملية يمكن عكسها بسهولة خلال اسابيع في أسوء الأحوال وخلال اقل من أسبوع في أفضلها!. وهذا يعني انّه اصبح لديها الآن ما يكفي لصنع قنبلة على الأقل.

•        صحيح انّ النص قال بعدم جواز تركيب ايران المزيد من أجهزة الطرد، لكنّه لم يمنعها من تطوير اجهزة جديدة! حتى انها اختبرت خلال العام 2014 أجهزة طرد من الجيل الجديد (IR-8) تتيح لها التخصيب بسرعات عالية جدا مقارنة بالأجهزة الموجودة حاليا.

•        الأسوء من كل هذا، انّ الاتفاق شرّع لايران عمل غير شرعي. اذ بموجب نص الاتفاق، أصبح قيامها بالتخصيب الذاتي حقّا لها (يُتّفَقَ فيما بعد مداه وحجمه)، مما ادى عمليا الى نسف 6 قرارات سابقة صادرة عن مجلس الأمن تطالب ايران بايقاف التخصيب بشكل تام!

2)      عدم ايقاف تطوير "أراك":

•        النص قال بالتزام ايران بعدم اجراء اي تقدم في نشاطاتها "في أراك". وقد وضع هذا النص عمدا، ما يعني انّه يمكن للايرانيين اجراءا ما يريدون من نشاطات تتعلق بأراك على ان لا يكون العمل عليها قد تم داخل موقع المنشأة نفسها! وهذا ما قام به الايرانيون بالفعل، اذ سمح لهم بشكل غير مباشر بالقيام بما يريدون فيما يتعلق بتطوير المفاعل على ان لا يكون قد تم في المنشاة!

3)      عدم فرض قيود على برنامج ايران الصاروخي:

•        من المعروف أنّ امتلاك برنامج نووي عسكري يتطلّب اتقان ثلاثة أمور أساسية هي: تخصيب اليورانيوم بنسب عالية ذاتيا، والقدرة على صناعة رأس نووي، وانتاج وسائل تحميل هذا الرأس أي الصاروخ القادر على حمله. الاتفاق سمح لايران تطوير قدراتها الصاروخية خلال هذه الفترة بشكل غير محدود بالرغم من وجود قرارات لمجلس الأمن تفرض ايقافها. لقد استغلت ايران هذاالأمر تماما، وبحلول يناير 2015، كانت قد اختبرت صاروخا جديدا عابرا للقارات يتجاوز مداه المسافة بين ايران واوروبا وذلك  تحت غطاء اطلاق أقمار اصطناعيّة.

4)      دور الوكالة الذرية:

•        أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نوفمبر 2014 يقول إن إيران لم تبدد بشكل تام الشكوك في أنها ربما عملت على تصميم قنبلة نووية!

5)      كسر الحصار الاقتصادي على ايران:

•        نص الاتفاق على تخفيف محدود ومؤقت للعقوبات وبشكل يمكن عكسه لاحقا. عمليا. ما ان تم الاعلان عن الاتفاق المبدئي، حتى انهار الحاجز النفسي لمعظم العقوبات، الكثير من الدول ارسلت وفودها على وجه السرعة لايران لترتيب صفقات اقتصادية ووضعوا خطط للشروع في مشاريع صناعية كبرى، كل هذا قبل بدء تطبيق الاتفاق المبدئي في يناير 2014. بحلول أبريل 2014، تقاير اقتصادية اشارت الى ان ايران تتعافى ببطء لكن بثبات،وقال صندوق النقد الدولي ان الاقتصاد الايراني في مرحلة نمو. في  يناير 2015، قال البنك الدولي انّ ايران ستسجل نموا رغم انخفاض اسعار النفط بشكل هائل! وقد لوحظ ان العلاقات التجارية لايران مع عدد من الدول قد تحسنت بشكل ملحوظ. وقد اشار البعض الى ان واشنطن كانت حرفيّا تدفع الاموال المخصصة (700 مليون دولار شهريا) لايران لمواصلة المفاوضات.

 

تنازلات أمريكية غير مسبوقة وغير مبررة

ولأنّ الكارثة قد حصلت فعلا ولأنّ اوباما يسعى الى اتفاق بأي ثمن، فقد أشارت معلومات أكّدها دينيس روس الى ان واشنطن قدّمت تنازلات غير مسبوقة الى ايران مع نهاية فترة الاتفاق المبدئي في نوفمبر 2014 من أجل اقناعها بالتوصل الى اتفاق شامل يحقق لأوباما مراده في تسجيل سابقة التصالح التاريخية مع طهران، وتضمنت:

•        التراجع عن مطلب إقفال/او تفكيك مفاعل أراك للمياه الثقيلة الذي من الممكن له إنتاج بلوتونيوم للاستخدامات العسكرية، وكذلك التراجع عن اقفال منشأة فوردو ، وهي منشآت يرى كثيرون ان لا ضرورة لها في اي برنامج نووي سلمي ما لم يكون الغرض الأساسي هو الحصول على قنبلة نووية.

•        التراجع عن مطلب تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي الى 4 آلاف وهو الحد الأعلى الذي يجب ان يسمح لايران بامتلاكه اذا كان الهدف مراقبتها بشكل جيد ومنعها من اختصار الفترة الزمنية اللازمة لانتاج قنبلة نووية. وسرعان ما اشارت تقاير الى انّ واشنطن عرضت الابقاء اولا على 5 آلاف ثم عرضت الابقاء على 10 آلاف!

•        تحديد الاتفاق زمنيا، ما يعني انّه بغض النظر عمّا ياتي في مضمون اي اتفاق، فان العمل به سينتهي خلال فترة معيّنة وبعدها تصبح ايران رسميا بحلّ كامل منه، ويعترف بشرعية مسارها النووي الكبير وما ينجم عنه. وقد أشار البعض الى انّ فترة الاتفاق المقترحة تصل الى حوالي 10 سنوات.

 

وعليه، اذا ما عدنا بالذاكرة قليلا الى الوراء، فاننا سنلاحظ:

•        انّ المفاوضات بدأت وامريكا في موقع القوة مقابل ايران في موقع الضعف، لكن ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تتصرّف أمريكا في المفاوضات على أنّها الطرف الضعيف وايران الطرف القوي!، ولو انّ المفاوضات توقّفت اليوم أو انتهت بعدم التوصل الى اتفاق شامل، لجاز القول انّ ايران في موقع افضل مما كانت عليه عندما بأدت المفاوضات بكثير.

•        انّ المفاوضات التي بدأت بهدف ايقاف برنامج ايران النووي وحرمانها من قدرتها على انتاج الأسلحة النووية، تحوّلت كما نراها اليوم الى هدف آخر حيث تسعى واشنطن الى التعايش مع قدرات ايران.

•        أنّ المفاوضات بدأت بمعادلة ان تقّدم ايران برنامجها النووي مقابل ان تنفتح الولايات المتحدة عليها وان تتيح لها الانفتاح على العالم، لكن المعادلة أصبحت اليوم هي ان تقبل ايران جهود أوباما للانفتاح عليها مقابل أن يقبل أوباما قدرات ايران النووية!

•        أنّ أوباما ترك الفرصة لايران خلال عملية التفاوض بالتمدد الاقليمي على حساب الجميع بما فيه حلفاؤها التقليديين، لا بل انّ اوباما تفادا عمدا فعل اي شيء من شانه ان يفهم على انه تحدي لايران على الرغم من انّ المفاوضات محصورة بالملف النووي فقط!

 

وعليه، وكما أصبح واضحا، فإنّ اتفاق جنيف المبدئي (JPOA) لم يجمّد أو يبطئ برنامج ايران النووي كما ادّعى اوباما، وانما في كثير من النواحي يمكن القول انّه سرّعه!

المصدر: الجزيرة